بواسطة ( بشائر النصر) تشغيل الإثنين، 03 أيار 2021
تصنيف: مواضيع عامة

السفر القصير

 السفر القصير

الدنيا رحلة .........
والطريق طويل ..........
والعمر قصير ........
وحسبنا الله ونعم الوكيل.........
الناس في سباق وحق لهم ذلك .........

كيف لا والله يدعوهم من فوق سبع سموات :
{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِين َآمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الحديد21.

وتسارع الجميع ...
الكل يجري .......
من لم يكن الأول كان الثاني ومن لم يكنفي الصف الأول كان في الصف الثاني .........
لم لا ؟!
فالجائزة غالية فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في الحديث الذي رواه أبو هريرة يقول : ( من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)
فانظر لنفسك أين موقعك من الصفوف .؟!!!..
فمن الناس من بحث عن نفسه في الصفوف الأولى فلم يجدها ولكنه عندما نظر إلى الوراء وجدها هناك في بداية الطريق ...
نعم ...وجد نفسه حافياً يمشي على أرض رملية حارة تحت أشعة الشمس المحرقة لاماء ولا زاد معه يبلِّغه .......إنه يسير ...... يسير....ولكن بجسد ثقيل....ثقيل جداً , أرهقته الذنوب . القلب قاسٍ , والعين جافة , والتفكير مشلول .....إلى أين يسير ؟! ومتى سيصل ؟!. بل هل سيصل؟!.... إنه لا يعلم .
وجاء رمضان ... موسم الخيرات والبركات حيث تفيض الرحمات فأراد أن تسح العبرات ، ويستدرك ما فات ولكن هيهات هيهات ..عبثاً حاول اغتنام الفرصة فالجسد يبوء بحمل ثقيل ...إنها المعاصي التي لم يتخلص منها ولا حتى في هذا الشهر الكريم ،لم يحاول تخفيف الذنوب.
القلب قاسٍ من الجفاء والبعد عن الله وقلة قراءة القرآن وتدبره , والعين جافة فلا بكاء ولا تباكي وأنى لعين قلبٍ قاسٍ أن تدمع أو لعقل قلب لاهٍ أن يتدبر أو يتفكر .... كل عضوٍ فيه كان مشغولاً بغير الله ,فكيف سيفيده رمضان أو غير رمضان ؟!...
حاول اغتنام موسم الرحمة والمغفرة والعتق من النار ولكن بإرادة ضعيفة .
لقد جعل من نفسه وعاءً ووضعها تحت الرحمات المتدفقة من السماء وكأنها الغيث لمن في قلبه نواظر تبصر .....أراد أن يملأ الوعاء فيغسل قلبه من الصدأ...صدأ المعاصي والبعد عن الله ,أراد أن يروي ذلك القلب الظمآن أثناء سيره في رحلته الطويلة على الطريق الطويل فلعله يبلغ آخره إذا اجتهد وسار قبل نفاذ العمر القصير ولكن هيهات .....
فبعد انتهاء تدفق الرحمات وبعد انتهاء موسم الخيرات عاد إلى الوعاء ليجده فارغاً متسخاً من الداخل مغسولاً من الخارج ....لماذا؟!. لأنه نسي أن يفتح الوعاء قبل وضعه تحت الرحمات .نعم ، نسي أن يفتح قلبه ويقبل على ذكر الله . نسي ترك مايشغله عن الله . لم يتسلح بالعزيمة والإرادة والصدق مع نفسه فعاد بعد رمضان كما كان قبله لم يستفد منه بشئ...... وذلك الآخر مسكينُ قضى رمضان كله باللهو والعبث...قضاه في الأسواق وعلى التلفاز والنت والتسالي التي نسبوها ظلماً إلى رمضان ورمضان منها بريئ .
قضاه في السهرات والنزهات والنوم طيلة ساعات النهار. وكأن رمضان جُعِل للتسلية والترفيه والراحة ..كان يشاهد البرق فيخاله نوراً سيضيء قلبه وعبثاً كان يحاول الإمساك بهذا النور فقد كان يختفي سريعاً بين الغيوم السود في كبد السماء في ظلمة الليل .
وخرج من رمضان الشهر الذي شبهه البعض بمحطة الوقود بلا وقود ...بلا زاد ولا مؤونة تكفيه لمتابعة الطريق إلى المحطة القادمة في رمضان القادم ...
أمضى رمضان بالطعام والشراب طيلة الليل لأنه في النهار صائم نائم وقضى النهار ومعظم الليل في النوم واللهو ....
وضاعت أيام رمضان وانقضت لياليه وضاعت الفرصة .
نعم .لقد صام نهاره .ولكن ماذا بعد الصيام ...أين رياضة النفس والروح على ترك المعاصي والشهوات .؟!
أين الإكثار من الطاعات. والأعمال الصالحات؟!.
أين قيام الليل وقراءة القرآن وتدبره؟!
أين دموع الندم على التفريط والتقصير ؟!
أليس من أجل ذلك كله كان رمضان؟!
كل ما فعله أنه صام عن الزاد ولكنه لم ينل إلا الجوع والعطش لقد خلط صيامه باللغو والزور والكذب وسماع الفسق والفجور والمحرمات.. وهذا هو الحرمان بعينه .
فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش وكم من قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب .
فمن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم)
(رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم ( حسن ) وقال صحيح على شرط مسلم )
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر )
رواه ابن ماجه واللفظ له والنسائي

مقال قديم كتبته في عام ١٩٨٥
#عبيرمؤذن
ترك تعليقات