بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا . وأرسل نبيه للعالمين سراجا وهّاجا
الشيطان يجرب يسوع
وأنا أطالع بعض فقرات "بشارة المسيح كما دونها لوقا "من إنجيل لوقا, وصلت إلى فقرة تحت عنوان :"الشيطان يُجَرّب يسوع " وهي الإصحاح الرابع ومكتوب فيه بالحرف:
أمَّا يَسُوعُ، فَعَادَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَاقْتَادَهُ الرُّوحُ فِي الْبَرِّيَّةِ 2أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَإِبْلِيسُ يُجَرِّبُهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئاً طَوَالَ تِلْكَ الأَيَّامِ. فَلَمَّا تَمَّتْ، جَاعَ. 3فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهَذَا الْحَجَرِ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى خُبْزٍ». 4فَرَدَّ عَلَيْهِ يَسُوعُ قَاِئلاً: «قَدْ كُتِبَ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ!» 5ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ، وَأَرَاهُ مَمَالِكَ الْعَالَمِ كُلَّهَا فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، 6وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ السُّلْطَةَ عَلَى هَذِهِ الْمَمَالِكِ كُلِّهَا وَمَا فِيهَا مِنْ عَظَمَةٍ، فَإِنَّهَا قَدْ سُلِّمَتْ إِلَىَّ وَأَنَا أُعْطِيهَا لِمَنْ أَشَاءُ. 7فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي، تَصِيرُ كُلُّهَا لَكَ!» 8فَردّ عَلَيْهِ يَسُوعُ قَائِلاً: «قَدْ كُتِبَ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ!» 9ثُمَّ اقْتَادَهُ إِبْلِيسُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى حَافَةِ سَطْحِ الْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى الأَسْفَلِ 10فَإِنَّهُ قَدْ كُتِبَ: يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، 11فَعَلَى أَيْدِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ، لِئَلاَّ تَصْدِمَ قَدَمَكَ بِحَجَرٍ». 12فَرَدَّ عَلَيْهِ يَسُوعُ قَائِلاً: «قَدْ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ!» 13وَبَعْدَمَا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ، انْصَرَفَ عَنْ يَسُوعَ إِلَى أَنْ يَحِينَ الْوَقْت .
وما إن انتهيت حتى انهالت علي الأسئلة حول مضمون هذا النص واستغربت كيف يقبل العقل بمغالطات وتناقضات لا يمكن قبولها ولن أطيل في التعبير عن دهشتي ولكن أترك تلك الأسئلة نفسها تعبر عما شعرت به وأنا أقرأ ذلك النص :
( أما يسوع , فعاد من الأردن ممتلئا من الروح القدس . فاقتاده الروح في البرية 2 أربعين يوما , وإبليس يُجَرّبه ...) إن أول ما يتبادر إلى الذهن أن يسوع خرج من الأردن في معية الروح إذن فهو مَحْمِي , وليس وحده , لكن الغريب هو ما جاء مباشرة بعد هذه الجملة ( أربعين يوما وإبليس يجربه ...) وأنا أسأل . هل يُعْقل أن يُجَرّب إبليسُ الربَّ ؟ كيف هذا؟ و الرّب جالس ينتظر النتيجة . هل هذا ربّ أم تلميذ؟ . وكيف يسمح الربّ بهذه الإهانة إن كان ربّا حقا كما تدّعون . كيف يقبل أن يُجرُّب , وممن ؟ من طرف الشيطان , أي لغة تتكلمون يا أهل الكتاب ؟ وأي إله تعبدون ؟ وكيف يسكت الروح عن هذا ؟ بل أين كان والشيطان يمتحن الرب أو الابن أو سموه ما شئتم , ولمدة أربعين يوما . أي منطق هذا أيها النصارى ؟ لماذا لم يتدخل الروح ويسوع ممتلئ به ؟ تصوروا, أربعين يوما والشيطان يمتحن الرب ـ واللهِ جملة أتحدى بها أحدا أن يستطيع شرحها لكي يقبلها العقل . واسمع ما يأتي (ثم أصعده إبليس إلى جبل عال ) قبل قليل اقتاده الروح في البرية ولآن يقتاده الشيطان , والربّ المسكين و المغلوب على أمره ساكت لا يتكلم . مرة يجره الروح, وأخرى يقتاده إبليس بعدما يتسلمه من الروح . تخيل معي يا أخي القارئ , إبليس وهو يأخذ الرب من يده ـ وأمام الروح الذي لا أعرف أين هو , ومن هو ـ ليصعد به الجبل , وكأنه طفل صغير, ساكت مطيع . والروح وجوده كعدمه. وانظر إلى ضعف هذا الإله حين أخبره إبليس أن تلك الممالك كلها له وسيمنحها له إن هو سجد (، وَأَرَاهُ مَمَالِكَ الْعَالَمِ كُلَّهَا فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، 6 وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ السُّلْطَةَ عَلَى هَذِهِ الْمَمَالِكِ كُلِّهَا وَمَا فِيهَا مِنْ عَظَمَةٍ، فَإِنَّهَا قَدْ سُلِّمَتْ إِلَىَّ وَأَنَا أُعْطِيهَا لِمَنْ أَشَاءُ. 7فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي، تَصِيرُ كُلُّهَا لَكَ!» ولكن قبل أن أتمم أودّ الوقوف عند هذه الجملة , لما تحتويه من تناقض مع ما أثبته العلم اليوم , وهو أنه يستحيل رؤية ممالك الأرض كلها مرة واحدة مهما صعدنا عاليا لأن كروية الأرض تجعل هذه القضية مستحيلة تماما. أم أن الإله يجهل أن الأرض كروية الشكل . ولا يقولن قائل أن الرب يتكلم عن العالم الصغير الذي كان معروفا آن ذاك , نقول لا , لأن الكتاب المقدس يعلنها صراحة في نص آخر أن الأرض لها زوايا أربع , بمعنى أنها مستطيلة أو مربّعة , إذ جعل لها زوايا أربع وهي مشكلة أخرى . وهذا طبقا لما جاء في سفر الرؤيا:7/1 " ورأيت بعد ذلك أربعة ملائكة واقفين على زوايا الأرض الأربع , يحبسون رياح الأرض الأربع , فلا تهب ريح على برّ أو بحر أو شجر " ومثله في سفر حزقيال: 7/2 "النهاية قد أزفت على زوايا الأرض الأربع ." وقد قال أحد النصارى في مناقشة هذه الجملة أن الكتاب المقدس بقصد بالزوايا الأربع الجهات الأربع , نقول أن هذا الإدّعاء كذلك باطل علميا لسببين رئيسيين:
1 ) ـ الجهات في الأرض ليست أربعة بل ثمانية : شمال, جنوب, شرق , غرب , شمال شرقي , جنوب شرقي , شمال غربي و جنوب غربي . ولا أحد يعارض هذه الحقيقة في العالم سوى الكتاب المقدس.
2 ) ـ هب أنّنا وافقنا هذا الرأي ـ جدلا ـ فإنه يستحيل استحالة مطلقة أن يقف أربعة أشخاص ويمنعوا رياح الأرض عنها لأن كرويتها تمنع ذلك تماما لأنهم أينما وقفوا سيتركون وراءهم " أرضا " ولنوضح ذلك بمثل بسيط . لدينا أربعة أشخاص , الأول سيقف في أقصى نقطة يمكن الوقوف فيها على الأرض وهي القطب الشمالي, و الثاني سيقف في أدنى نقطة ممكنة في الجنوب وهي القطب الجنوبي وكذلك الثالت في الشرق و الرابع في الغرب . ونتصور أن الملائكة الآربعة شدّوا أيادي بعضهم البعض ليمنعوا كل رياح الأرض عنها . فلن يحبسوا الرياح سوى عن نصف الكرة الأرضية ويبقى رواءهم النصف الآخر . لأن الجسم المُكَوّر لايمكن أن نقف فيه لنحبس عنه الريح لأنه ليست له حافة تحدّه , بخلاف الجسم المستطيل أو المربع , حيث نجد له حافة وحدودا ونستطيع أن نقف على حافته ونجد وراءنا فراغا . ولذلك نقول أن كاتب هذه الفقرة إنما هو بشر ـ مع احترامي الشديد لأهل الكتاب جميعا ـ عاش في العصور القديمة حين لم يكن الإنسان يتصور أبدا أن تكون الأرض كروية الشكل فكتب ما كان الجميع يعتقده ويؤمن به فيما يخص شكل الأرض . بالإضافة إلى كلمة " الرياح الأربع " وهو خطأ علمي آخر حيث أثبت العلم أن أنواع الرياح أكثر من أربعة . فكيف يدّعي كاتب الإنجبل أنها أربعة فقط . " يحبسون رياح الأرض الأربع " ويتجلى واضحا أنه كان يقصد الرياح الأربع التي تأتي من زوايا الأرض الأربع . لذلك أقول أنه لايمكن أبدا أن يكون الله هو قائل هذا الكلام ,لأن الله الخالق يعلم أن الأرض كروية الشكل فلا يمكن أن يقول كلاما خاطئا " سبحان الله عمّا يصفون" ويستحيل أن يجعل لها أربعة زوايا . أو يدّعي أن رياحها أربعة فقط . قضية أخرى مستحيلة تماما وتدل بلا شك أن كاتب هذه السطور لايمكن أن يكون ربا عالما , خالقا حين يقول" 5 ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ، وَأَرَاهُ مَمَالِكَ الْعَالَمِ كُلَّهَا فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، " مرة أخرى أقول أن مشاهدة الأرض كاملة في لحضة واحدة مستحيلة علميا لأن كرويتها تمنع ذلك مهما صعدنا عبرالفضاء , وإني لأعجب كيف سيرى ممالك العالم كله من جبل عال فقط . بل وأعجب أكثر كيف يقبل عقل بأن يكون هذا كلام الله . خلاصة القول في هذا الباب أن " كروية الأرض " وحدها خلقت مشكلا كبيرا لكاتب الإنجيل وأحرجت أهل الكتاب حين نتاقض كتابهم المقدس مع الحقائق العلمية . ـ و والله لدي الكثير ما أقوله في أخطاء الإنجبل العلمية و لكن ليس هذا موضوعي اليوم. وقد يقول قائل أنها معجزة أن يرى يسوع الممالك كلها في لحظة من الزمن . نقول حذار, فهذه طامة كبرى أن تجري المعجزات على يد إبليس لأنه هو الذي أرى الربَّ يسوع كل الممالك . (، وَأَرَاهُ مَمَالِكَ الْعَالَمِ كُلَّهَا فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَنِ،) وهذا بدوره باطل إلاّ أن تقبلوا به كما قَبِلَ ربكم أن يُجَرّب من طرف إبليس.
وقد يقول نصراني آخر أن القرآن بدوره قال على أن الأرض ممدودة , مع أن الكل اليوم يعلم أنا الأرض كروية الشكل . نقول له هذا صحيح , ولكن تعال لنشرح الآية فيظهر لك الإعجاز القرآني واختلافه عن باقي الكتب السماوية الأخرى . يقول تعالى : " و الأرض مددناها ...." لقد رقص كثير من أعداء الإسلام عندما بدا لهم أن هذه الآية الكريمة تتناقض مع ما اكتشفه العلم فيما يخص كروية الأرض . ولكن نقول لهم اقرؤا الآية بتمعّن و بعقل : إن سياق الآية يدل على أن الله يخاطب الإنسان , بل إن القرآن كله مخاطبة للإنسان وعندما يقول العليم الحكيم " و الأرض مددناها " نسأل لمن ؟ الجواب : مددناها لك أيها الإنسان , بمعنى أنك أينما رحلت أو ارتحلت وأينما سكنت و حيثما توجهت ستجد الأرض ممدودة ولن تجد لها نهاية أو حافة تقف عندها لتقول أن هذه هي نهاية الأرض . وهذه القضية لايمكن أن تكون ممنكة وصحيحة إلا في حالة واحدة فقط :هي عندما تكون الآرض كروية الشكل . هنا فقط يستطيع الإنسان أن يسير في الأرض دون توقف لأن كرويتها تجعل السير فيها غير محدود , كما تجعلها ممدودة في كل اتجاهاتها . لذلك أقول لأهل الكتاب جميعا " والذي بعث سيدينا موسى وعيسى بالحق أن ماجاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق من الحق . والحق من الحق , حق مطلق. إذ كيف يأتي بحقيقة كروية الأرض في زمان ما كان أحد يجرؤ على القول بكرويتها ولو ضحكا ومزاحا . ـ نعود الآن إلى القضية الأم ـ ثم لننظر إلى ضعف الرب يسوع حين أخبره الشيطان أن تلك الممالك أُعطِيَت له وأصبحت كلها في ملكه, وهوـ أي إبليس ـ الذي يملك التصرف فيها و السلطة عليها , فسكت الإله المسكين مع أنه كان من السهل, بل من الواجب عليه أن يُكذِّبه, و يوقفه عند حدّه , ويخبره بأن كل الممالك هي في ملك الربّ , أو أنها في ملكه هو, أليس هو يسوع الرب . أليس هو الآب و الابن والروح القدس ؟ فكيف يسمح لإبليس أن يكذب عليه ويدّعي أنّ الممالك كلها في ملكه , ومن أعطاها له , وبأي صفة يتصرّف فيها . وإن كانت الممالك كلها في ملكه , كما يقول الكتاب المقدس وبالحرف ( وأراه ممالك العالم كلها ... فإنها قد سُلِّمت لي كلها ... ) فماذا بقي للرب ؟ ومن كان يرزق المخلوقات و الممالك في يد إبليس ؟ من كان يطعم النمل في ظلمات الأرض, و الأسماك في أعماق البحار , و الطير في عنان السماء ؟ أم أن هذا هو السبب في أن يسوع الرب جاع تلك الأيام كلّها ( 40 يوما) لأن إبليس نسي أن يطعمه . وإذا نسي إبليس أن يُطعم يسوع وهو بجانبه , فكيف ب مخلوقات لا تُعدّولا تحصى ؟ أم أنّه إله يجهل ما يحصل في ملكوته . أم أن الآب أعطى الممالك لإبليس دون إخبار الابن , وهذا يخلق إشكالا آخر إذ سيُبْطِل قضية التثليث بمعنى, إذا كان الثلاثة في الواحد والواحد في الثلاثة كما يقول الكتاب المقدس , إذن فقضية التجسيد باطلة أساسا لأنه لا يمكن أن يكون شخصان في جسد واحد , ثم لا يعلم أحد ما يفعله الآخر . كما أن الجملة التي يستدلون بها على ألوهية المسيح "من رآني فقد رأى الآب ...." تَفسُد تماما . وسيكون عندنا أربع حالات .
1 ) ـ إن إبليس من منطلق هذه الجملة يكون قد جرّب الآب والابن والروح القدس الثلاثة معا , ولم يجرؤ أحد من الثلاثة يمنعه أو يوقفه . وهو بهذا يكون أقوى منهم مجتمعين . ولذلك تجرأ عليهم . فكيف يستطيع مخلوق أن يتجرأ على الخالق؟ وكيف يقبل إنسان أن يعبد ربا بهذا الضعف؟
2) ـ إذا كان إبليس بهذه القوة التي يعجز أمامها الرب أن يدافع عن نفسه , وكان يشارك الرب في ملكوته ـ كما شرحنا قبل قليل ـ فإما أن الذي أمام إبليس إله لكنه لا ليملك كل شيء لأن ابليس يشاركه في ملكه وهو ألد أعدائه, وإما أن الذي أمام إبليس مالك , لكنه ليس إلها لأنه لا يعلم ما يجري في كل الممالك , وفي كلتا الحالتين تسقط الألوهية عنه. لأن الإله الحق هو الذي يملك كل شيء حتى العدم وما وراء العدم , ويعلم ما يجري في كل ملكوته مهما صغر
3 ) ـ إذا كان الابن يجهل ما فعله أبوه الرب حين منح إبليس الممالك وأعطاه السلطة عليها , فهذا يعني أن الابن دون الآب وبعبارة أخرى أنهما مستقلاّن عن بعضهما البعض وأن الآب يتصرف في ملكوته وحده بمشيئته , و يشرك من يشاء في ملكه دون الحاجة إلى إخبار غيره ولو كان ابنه . وهذا يدلّ على أن الابن له مكانته الدونية , بمعنى أنه دون الآب . و يعلم حدوده جيدا ـ كما سنرى بعد قليل ـ وهنا مرة أخرى تسقط ألوهية يسوع . وتبطل " من رآني فقد رأى الآب" إذا كان هو نفسه لم يَرَ ولم يعلم ما فعله أبوه .
4 ) هل إبليس غبي كي يَعد ابن الله بشيء وهو يعلم يقينا أنه في ملك أبيه أي الآب , بدليل أن إبليس يعلم مع من يتكلم حين قال له ( إن كنت ابن الله فقل لهذا الحجر أن يتحوّل خبزا...) أم أن إبليس بدوره يجهل أن الابن له صفات وقدرات الآب حسب الكتاب المقدس نفسه .
تعال الآن إلى الصدمة الكبرى حيث يُكَذِّب المسيح عليه السلام كل أقاويل الباطل ويصرح بوحدانية الله تعالى في جوابه لإبليس حيث قال :" قد كُتِب : للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ." نعم للرب إلهك فاسجد . انظروا يا أهل الكتاب كيف فرّق سيدنا عيسى عليه السلام بين شخصه الإنسان وبين ربّه الإله , والله لو كان إلها , وهو في موقف التحدّي و التجربة لقال لإبليس بل أنت تسجد لي فأنا الرب , وأنا المُخَلّص , وأنا ربك فاعبدني . وكيف تدّعي الممالك لك وأنا أملكها .وووو . لا, أبدا لم يقل هذا الكلام وهو في ذلك الامتحان الحاسم . وأنا أقول لكم إذا لم يصرِّح يسوع بألوهيته في هذا الموقف الحسّاس , وهو في حالة تحدّي ومن إبليس فلأنه كان يعلم أنه رسول مبعوث من رب العالمين . و حتى في هذا الموقف الخطير لم ينطق المسيح بربوبيته بل على العكس , بَيَّنَ لإبليس من يكون الإله الحق الذي يستحقّ العبادة والسجود له. وأعيد على مسامعكم الجملة العظيمة والتي من أجلها أرسل الله جميع الأنبياء و الرسل " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" نعم إياه وحده , دون شريك أو ابن . بل ليس ربا من له بين الخلق ابن أو في المُلك شريك . تمعّنوا كيف أن سيدنا عيسى عليه السلام لم يُقحم نفسه مع الله في وحدانيته واعترف له بها . ولم يدخل نفسه في الربوبية مع الله وخصّه بالعبادة وحده . وأحيلكم مرة أخرى , على الجواب الثاني حين قال عليه السلام " قد كُتِبَ : لا تُجَرّب الرّب إلهك " نعم لم يقل له لا تجرّبني فأنا الرب. أو كيف تجرب من خلقك... وأخيرا , وبعد أن صبر الرب أربعين يوما وهو يُجَرّب من طرف إبليس ,
يجيب في آخر القصة :" قد كُتِبَ : لا تُجَرّب الرّب إلهك "
مصيبة أخرى أن الرّب كان يعلم أن الشيطان إنّما كان يُجرّبه كل تلك المدة ـ يا له من رب مطيع لتجارب إبليس ـ أيها الإخوة : إذا كان مدير شركة أو وزير أو حتى الإنسان العادي لا يقبل بأن يوضَع موضع شك أو تجربة لأن ذلك إقرار بأنه دون المسؤولية التي أُسْنِدت إليه , وأنه مشتبه به أو مشكوك في أمره , وهذا كله إهانة لكرامته وصدقه في عمله . إذا كان الإنسان ذلك المخلوق البسيط لا يقبل بذلك , فكيف يقبل ربّ العباد و الكامل الصفات والأفعال بأن يُجَرّب من أحد مخلوقاته , ومن ؟ الشيطان.وقد يقول قائل أن هذا ابتلاء كما نقول نحن المسلمون , تكون الكارثة أعظم من سابقاتها لأننا سنجد أنفسنا أمام إله يُبْتلى و رب ّ يُمْتحن من طرف إبليس. !
والله لقد وضعتم ربكم في موقف لا يُحسد عليه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ .
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سُحِر رسول الله ﷺ حتى إنه لَيُخَيَّل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله.. ودعاه.. ثم قال: «أشَعَرتِ يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته؟! جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مَطْبُوب، قال: ومن طَبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: في ماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وجَفِّ طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان».
فذهب النبي ﷺ في أناس من أصحابه إلى البئر، فقال: «هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين» فاستخرجه( ) .
قالوا: فإذا كان الرسول ﷺ قد سُحر، فأين عصمة الوحي..؟
الثابت بالحديث الصحيح أن أثر السحر على رسول الله ﷺ كان يُهَيَّأ له أنه يأتي الشيء ولم يكن يأتيه، وهذا معناه أن أقصى تأثير للسحر في رسول الله ﷺ كان في علاقته بزوجاته ومعاشرته لهن، وهذا الجانب لا علاقة له بالوحي، مما يعني أن أثر السحر لم يخرج عن أخص خصائص النبي الشخصية.. مما يثبت معنيين في آنٍ واحد:
الأول: ابتلاء الرسول ﷺ بالسحر.. والثاني: وعصمته في تبليغ الوحي..
ولكي نفهم العلاقة بين أثر السحر ومقام النبوة يجب أن نفهم حقيقة الوحي.. فالوحي كان يتنزل على قلب النبي [..على قلبك لتكون من المنذرين﴾ الشعراء: 194] ولذلك كان قلب رسول الله لا يغفل «تنام عينيه، ولا ينام قلبه»( ) .
ومن هنا كانت رؤى الأنبياء وحي؛ لأنه يتلقى الوحي بقلبه، وقلبه لا يغفل.
وبذلك يكون أثر السحر علي رسول الله صلي الله عليه يماثل النوم الذي كان ينامه الرسول دون أن يكون له أثر علي الوحي وقد ينشأ تساؤل يقول: أنه كان من الممكن أن ينجي الله الرسول ﷺ من سحر اليهود كلية دون هذا الأثر؟
والواقع أن هذا الأثر هو الإثبات الحقيقي لنجاة رسول الله ﷺ من السحر؛ لأن إثبات النجاة يتطلب إثبات حدوث السحر ذاته ثم النجاة منه.. وهذا الأثر كان بمقدار إثبات حدوث السحر.
تماما مثل أكل لقمة من الشاة المسمومة ثم نجاته بعد أن أكل منها
فأحيانًا تكون عصمة الله للرسول ﷺ بنجاته من الفعل، وأحيانًا تكون بنجاته من أثر الفعل بعد أن يحدث..
ومثال الحالة الأولى: محاولة اليهود إلقاء حجر على رسول الله ﷺ، فقد أتى النبي ﷺ اليهود وجلس بجوار جدار لهم، فتمالئوا على إلقاء صخرة عليه من فوق ذلك الجدار، وقام بذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فأتاه الخبر من السماء، فقام مُظهرًا أنه يقضي حاجة، ورجع مسرعًا إلى المدينة.
ولعلنا نلاحظ أن جبريل نزل من السماء السابعة ليسبق الحجر قبل أن ينزل على رسول الله ﷺ؛ لأن الله أراد منع الفعل..
أما مثال الحالة الثانية: فعندما أكل النبي ﷺ اللقمة المسمومة، لم يكن ذلك تأخرًا من جبريل، ولكن الله شاء أن يقع الفعل، ويُبتلى رسول الله ﷺ بالسُمِّ، دون أن يقع أثره، وهو الموت في الحال، ثم يعيش رسول الله ﷺ ليكمل رسالته، حتى إذا جاء أجله ﷺ، ظهر أثر السُّم.. فأصبحت الفترة التي عاشها الرسول ﷺ دليلا علي أن حياة رسول لله ﷺ قدر إلهي خالص .
وكما أثبت موقف محاولة التردي من الجبل حقيقة العلاقة بين الوحي ورسول الله ﷺ من الناحية النفسية ..
أثبت موقف السحر التفسير الحقيقي للعلاقة بين الوحي ورسول الله ﷺ من الناحية القلبية، أن يكون فهم قول الله سبحانه وتعالى: ﴿نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا﴾ [الإسراء: 47].
و ادعاء الكفار بأن رسول الله ﷺ رجل مسحور- ليس له علاقة بحادثة السحر؛ لأن الادعاء كان منذ أعلن رسول الله الدعوة إلى دين الله
وفي ضوء قوله سبحانه: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ نستطيع أن نفهم موقف السم وموقف السحر؛ لأن العصمة التي وعده الله بها إنما كانت باعتبار الرسالة، ولذلك كان النص: ﴿ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾ [المائدة: 67].
حيث أن أذى الكافرين أصاب رسول الله ﷺ بصفته الإنسانية، فَوُضِعَ عليه أحشاء الجزور في مكة، وأدميت قدماه في الطائف، وشقت جبهته وكسرت رباعيته في أحد، وكل ذلك لم يؤثر في النبوة والرسالة، وكذلك السم، أصيب بسببه رسول الله بالحمى، وكانت تعاوده كل عام، ولكنه لم يمت حتى تمَّت الرسالة، وكذلك السحر كان يهيأ له الشيء ولم يفعله بذهنه، ولكن ذلك لم يؤثر في الوحي الذي كان ينزل على قلب رسول الله ﷺ، شأن ذلك شأن الأذى والحمى في البدن..
وكأن هذه المواقف بإجمالها إضافة قدرية إلى دلائل النبوة..
و لم يذكر كتاب الله عز وجل عصمة الانبياء و الرسل من الاذيه الجسديه فهذا من مقام بشريتهم و عصمتهم كانت من الكبائر و في توصيل رسالتهم
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة:87].
وفي قوله تعالى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:91].
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=34961